دار الإفتاء ترد على فضح الفتيات التي قامت بالتعليق في تريند الدكتور الوسيم
ظاهرة “الطبيب الوسيم”: تداعيات الغزل العلني والصراع بين الستر والتشهير على الإنترنت
تصدّر اسم الدكتور محمد المغربي، وهو طبيب متخصص في المخ والأعصاب ومشهور بـ “الطبيب الوسيم” على شبكات التواصل الاجتماعي، قائمة الموضوعات الأكثر تداولاً في مصر مؤخراً، مُسلِّطاً الضوء على أزمة أخلاقية واجتماعية عميقة. بدأت شرارة الجدل عقب نشره لصور شخصية وإعلانات لعيادته، حيث انهالت عليه مئات التعليقات التي تجاوزت حدود الإطراء العادي إلى الغزل الصريح والمُبالغ فيه، والأهم من ذلك أن عدداً كبيراً من هذه التعليقات صدر عن فتيات مخطوبات وسيدات متزوجات كن ينشرن حياتهن العائلية في الوقت ذاته. هذه التعليقات الجريئة، التي اعتُبرت تجاوزاً للآداب العامة والأخلاق الزوجية، كانت هي الوقود الذي أشعل الأزمة المجتمعية.
تحوّل التفاعل العادي إلى فضيحة علنية عندما قررت مجموعة من الشباب الرد على ما اعتبروه “انحلالاً أخلاقياً” و”خيانة إلكترونية” باللجوء إلى التشهير. قام هؤلاء الشباب بأخذ لقطات شاشة (Screenshots) لهذه التعليقات الصادمة، ثم قاموا بإرسالها إلى أزواج وخطّاب المعلقات، بهدف “فضح” سلوكهن وكشف محتوى التعليقات. هذا الإجراء، الذي وُصف بالـ “صادم” و”غير المسبوق”، أدى إلى نتائج وخيمة وفورية، حيث تسبّب في نشوب خلافات عائلية وعاطفية كبيرة، بل ووصل الأمر إلى حد إعلان البعض عن فسخ خطوبته بشكل علني إثر اكتشاف تعليقات خطيبته غير اللائقة. الأمر وضع المجتمع أمام تساؤل حاد حول حدود الخصوصية والمسؤولية الأخلاقية في الفضاء الرقمي، وعواقب السلوك المزدوج الذي يمارسه البعض بين الحياة الواقعية والافتراضية.
في خضم هذا الجدل، كان لدار الإفتاء المصرية رأي واضح وصارم حول الجانب الأخلاقي والديني للواقعة، خاصة فيما يتعلق بتصرفات الطرف الذي قام بالتشهير ونشر الفضائح. أكدت الدار أن نشر الفضائح الأخلاقية على وسائل التواصل الاجتماعي، بغرض الانتقام أو التشفي، سواء كان ذلك بنشر التعليق أو المشاركة فيه أو الإعجاب به، هو إشاعة للفاحشة في المجتمع، وهي جريمة حذر منها القرآن الكريم صراحة في قوله تعالى: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة}، مشيرة إلى أن الآية عامة تشمل الذين يلتمسون العورات ويهتكون الستور. هذا التوجيه يُلخِّص رؤية الشريعة، التي تجعل إشاعة الفاحشة مساوية في الوزر لفعلها، نظراً للضرر العظيم الذي يلحق بالمجتمع جرّاء التشهير.
كما شددت الفتوى على أن الإسلام قد أمر أتباعه بالتحلِّي بـ “الستر” وغض الطرف عن عثرات الناس، وعدم تتبع عوراتهم أو التشهير بهم، إعانةً لهم على التوبة وإصلاح النفس. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة”، موضحة أن الشريعة حثت من ابتُلي بمعصية على ألّا يخبر بها بل يسرها ويستغفر الله منها ويتوب إليه. وبناءً على ذلك، فإن تصرف الذين كشفوا أسرار المعلقات وتتبعوا عوراتهن يتعارض كلياً مع مبدأ الستر الذي هو أساس في التعامل مع خصوصيات الآخرين. كما حذرت الدار من أن نشر هذه الفضائح يندرج تحت الغيبة المحرمة، وهي ذكر الشخص بما يكره أن يُذكر به، وقد يرقى إلى طلب الشهرة المذموم الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: “بحسب امرئ من الشر أن يشار إليه في دينه ودنياه إلا من عصمه الله”.
باختصار، كشفت واقعة “الطبيب الوسيم” عن وجهين للأزمة: الوجه الأول يمثله السلوك غير المسؤول لبعض المستخدمات اللاتي تجاوزن الحدود الأخلاقية والدينية في تعليقاتهن العلنية، ما هدد استقرار حياتهن الأسرية. والوجه الآخر يمثله السلوك المجتمعي الخاطئ المتمثل في المبادرة إلى التشهير والفضح، وهو سلوك نهت عنه الشريعة الإسلامية بشدة، واعتبرته جريمة منفصلة. يترك هذا الحدث درساً مجتمعياً بليغاً مفاده أن التكنولوجيا لا تلغي المسؤولية الأخلاقية، وأن المصلحة الشرعية تقضي بضرورة الستر على عيوب الناس، حتى عند وقوع الخطأ، لمنع انتشار الفاحشة وتحويل الأخطاء الفردية إلى أزمات مجتمعية شاملة.



