أين يقع الكثيب الأحمر الذي لاقى فيه النبي أحد الأنبياء يصلي فيه عند قبره!

تمهيد عن رحلة الإسراء والمعراج

رحلة الإسراء والمعراج من أعظم المعجزات التي أكرم الله بها نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم. فقد أسرى الله به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماوات العُلا حيث فُرضت الصلاة واطّلع على آيات ربه الكبرى. وبينما كانت الرحلة حافلة بالأحداث العظيمة، جاء ذكر مشهد فريد يلفت الانتباه: مرور النبي عند قبر موسى عليه السلام ورؤيته قائمًا يصلّي.

رواية المشهد

جاء في الروايات الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مررت على موسى ليلة أُسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلّي في قبره». هذه الكلمات تختصر مشهدًا غيبيًا مهيبًا، يجمع بين عالم الأحياء وعالم البرزخ، ويؤكد أن الأنبياء لهم حياة خاصة في قبورهم يعبدون الله فيها.

معنى الكثيب الأحمر

الكثيب في اللغة هو التل الرملي أو المكان المرتفع من الأرض إذا تراكم فيه التراب والرمل. ووُصف بالأحمر إما للون تربة تلك المنطقة أو لطبيعة الصخور هناك. ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر به في طريقه إلى بيت المقدس، مما يجعل الكثيب الأحمر إحدى المحطات الواقعة في مسار الإسراء.

الموقع الحالي للكثيب الأحمر

رغم أن النصوص لم تحدد بدقة مكان الكثيب الأحمر، فإن معظم الآثار تشير إلى أنه في الجهة الشرقية من بيت المقدس، في الطريق المؤدي إليه من الحجاز. ويذهب كثير من المؤرخين إلى أنه قريب من الموضع المعروف اليوم بجبل نيبو في الأردن، حيث يُروى أن موسى عليه السلام قبض هناك ودُفن في جواره. هذا الجبل يتميز بعلوّه وإشرافه على البحر الميت والقدس وما حولها، مما يعطيه صفة “الكثيب” البارز بلونه المائل إلى الحمرة.

لكن من المهم التنبيه أن الشرع لم يربط الناس بمكان محدد لقبر موسى عليه السلام، بل أبقى الأمر دون تحديد قاطع حتى لا يتحول إلى مزار يقدسه الناس، تحقيقًا لحكمة الإسلام في صيانة العقيدة من مظاهر الغلو.

دلالات اللقاء

هذا اللقاء العجيب بين النبيين يحمل أكثر من معنى:

  1. إحياء الرابط بين رسالات السماء: النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء، ورؤيته لمن سبقه يبرز أن الدعوة واحدة والغاية واحدة.

  2. إثبات حياة الأنبياء بعد الموت: إذ هم في قبورهم يعبدون الله تعالى، وهذا يختلف عن حياة الناس العادية في البرزخ.

  3. الإشارة لمقام موسى عليه السلام: فهو من أولي العزم من الرسل، وله مكانة عظيمة، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم رآه مرتين في نفس الليلة، مرة في قبره عند الكثيب الأحمر، ومرة في السماء السادسة أثناء المعراج.

  4. صلة موسى بأمة محمد: وهو الذي كان له الدور في تخفيف الصلوات، حتى استقرت على خمس بعد أن كانت خمسين، ليظل أثره حاضرًا في عبادة الأمة.

الحكمة من إبهام المكان

قد يتساءل البعض عن سبب عدم تحديد الكثيب الأحمر بدقة. والجواب أن الإسلام لم يرد من ذكر هذه القصة إلا العبرة والإيمان بقدرة الله، وليس التعلق بالبقاع. فلو عُرف المكان على وجه التعيين لاتخذته بعض الأمم مزارًا يتقربون به، وهو ما نهى الشرع عنه.

خلاصة

مشهد لقاء النبي صلى الله عليه وسلم بموسى عليه السلام عند الكثيب الأحمر في رحلة الإسراء والمعراج يظل من أسرار الغيب التي تزيد المؤمن يقينًا بعظمة الأنبياء وصدق الرسالة. وهو يفتح باب التأمل في أن أرواح الأنبياء باقية على طاعة الله، وأن رسالة الإسلام جاءت لتربط الماضي بالحاضر، وتؤكد أن الهداية واحدة منذ بدء الخليقة حتى خاتمة النبوة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى