كوخ في الغابة
الظلال التي غطّت سومرفيل
في بلدة سومرفيل الوادعة، حيث يعرف الجيران بعضهم البعض بالاسم وتُغلق الأبواب بالكاد ليلًا، لم يكن أحد يتوقع أن تتحول أجواء الأمان إلى كابوس طويل. كانت سومرفيل أشبه بصورة معلّقة على جدار: هدوء، طبيعة خضراء، وحياة تسير بنمط بطيء مطمئن. لكن مساءً واحدًا كان كافيًا ليمحو كل ذلك.
إيما كارلسون، فتاة في الرابعة عشرة من عمرها، معروفة بذكائها وإصرارها، شغفها بالدراجات لا يقل عن التزامها بدراستها. مساء اختفائها، ارتدت خوذتها الزرقاء وانطلقت على دراجتها نحو طريقها المعتاد للتدريب. غابت الشمس وراء الأفق، وكانت والدتها، سوزان، تنتظر أن تسمع صوت الباب الأمامي يُفتح كالعادة. لكن بدلًا من ذلك، جاءها اتصال قصير من إيما عند الساعة التاسعة و56 دقيقة… ثم انقطع الخط فجأة.
مرت دقائق ثقال تحولت إلى ساعات، وسوزان تشعر أن قلبها ينكمش. بعد ساعة و18 دقيقة فقط، أبلغت الشرطة عن اختفاء ابنتها. وسرعان ما تحولت شوارع سومرفيل الهادئة إلى مسرح لأضخم عملية بحث عرفتها البلدة.
سقوط الأقنعة
أول الخيوط ظهر عند ويلر، جار العائلة. حاول إقناع المحققين أنه قضى ليلته في المنزل، لكن التناقضات سرعان ما فضحت روايته. وبينما كان التحقيق يشتد، عثرت الشرطة على خوذة زرقاء في مخزن لاركن، تشبه تمامًا خوذة إيما. أنكر لاركن أي صلة، مؤكدًا أنها تعود لابنة أخته، لكن ذلك لم يقنع أحدًا.
في السماء، كانت المروحيات تبحث، وفي الغابات كانت الطائرات بدون طيار تحلق مزوّدة بكاميرات حرارية. لوهلة، رصدت إحداها حرارة بشرية خافتة وسط الضباب،
لكنها اختفت كما لو أن صاحبها يعلم كيف يذوب في العتمة.
ثم جاء الدليل الأخطر: ويلر اشترى مصباحًا جديدًا لشاحنته بعد ساعات قليلة من اختفاء إيما، بينما أظهرت الكاميرات أن سيارته كانت تسير بمصباح تالف ليلة الحادثة. لماذا أصلحه فجأة؟ بدا وكأنه يحاول إخفاء أثرٍ ما.
الكوخ الملعون
التحول الكبير في القضية جاء من شركة الكهرباء التي أبلغت عن استهلاك غير طبيعي في كوخ قديم قرب الطريق السريع 12. كوخ كان الجميع يظن أنه مهجور منذ سنوات.
هرعت الشرطة إلى المكان. على الشرفة ظهرت آثار أقدام حديثة، والسلسلة على الباب قُطعت مؤخرًا. الصمت يخيّم على الداخل حتى كسره صوت خافت… طرقات مكتومة قادمة من خلف الجدار.
تبادل الضباط نظرات مذهولة. بأيدٍ مرتجفة، أزاحوا الألواح الخشبية. وهناك، في ظلام خانق، كانت إيما مقيدة بأنبوب تدفئة. نحيلة، ضعيفة، لكن عيناها الواسعتان كانتا تلمعان بوميض الحياة. ستة أسابيع قضتها في الأسر، محاصرة بين خوف دائم وأمل ضعيف.
الدافع الملتوي
الكوخ كان مليئًا بالأدلة: صندوق كرتوني يحوي مصباحًا مطابقًا لشراء ويلر، آثار لإطارات شاحنته قرب ميلر كريك، وحتى دلائل على أنه غيّر الإطارات لاحقًا لإخفاء بصمته. الصورة كانت تكتمل: ويلر هو من اختطف إيما.
لكن لماذا؟
عام 2019، فقد ويلر ابنته المراهقة في حادث سيارة مأساوي. لم يتعافَ من الصدمة، وبحسب خبراء الطب النفسي، تحوّل حزنه إلى هوس مَرَضي جعله يبحث عن “بديل” لابنته المفقودة. إيما كانت ضحيته.
حين أُلقي القبض عليه، حاول الانتحار في زنزانته، لكن الأطباء أنقذوه. وفي فبراير 2022، أُدين بالاختطاف والاحتجاز غير القانوني، وحُكم عليه بالسجن 28 عامًا بلا إفراج مشروط.
كابوس آخر على بُعد أميال
لكن بينما كانت سومرفيل تحتفل بعودة إيما، هزّت جريمة أخرى مدينة ساحلية بعيدة تُدعى كاسكايس.
الجيران اشتكوا من رائحة غريبة تنبعث من منزل الزوجين المسنين، أرماندو وجوانا. ظنّ الجميع أنهما في رحلة بحرية، لكن صناديق البريد المتخمة والهدوء المريب أثارا الشكوك. وعندما اقتحمت الشرطة المنزل، وجدت ثلاجة ضخمة تحتوي على رفاتهما.
المشتبه به هذه المرة كان روي، المراهق الودود الذي اعتاد مساعدة الزوجين. كان يبدو كجارٍ مثالي، لكن خلف ابتسامته البريئة خبأ وحشًا. فقد استخدم أدوية مدرّة للبول لتخديرهما، ثم أنهى حياتهما ببرود. الأخطر أنه عرض منزلهما للإيجار على الإنترنت، وجنى أرباحًا بينما الجثث مختبئة على بعد أمتار قليلة.
كشفت السجلات المصرفية والوصفات الطبية المزورة خطته، وأثبتت التحقيقات أنه لم يشعر بأي ندم. في يناير 2024، أُدين بالقتل العمد والاحتيال الإلكتروني، ليُسدل الستار على جريمة صادمة.
جروح لا تلتئم
قصتان مختلفتان، لكنهما تحملان مرارة واحدة. في سومرفيل، كان إنقاذ إيما أشبه بمعجزة، لكنه ترك جرحًا عميقًا في قلب المجتمع. أما في كاسكايس، فقد دمّرت خيانة شابٍ مراهق ثقة الجيران في بعضهم البعض.
الدرس واحد: الشر لا يسكن دائمًا في الأماكن المظلمة البعيدة، بل قد يختبئ خلف الوجوه المألوفة، في الشوارع التي نعتقد أنها آمنة، وبين الأشخاص الذين نظن أننا نعرفهم.
وبينما تستمر المدن الصغيرة في البحث عن طمأنينتها، يبقى سؤال واحد معلّقًا بلا إجابة: كيف نعرف حقًا من يمكننا أن نثق به؟



