أيها الموت.. تمهل لم يحن وقتي بعد!

بقلم: سماء زيدان

استيقظت اليوم بإلحاح لايفلتني أريد أن أدون ما حدث، أن آسر الذكرى فلا ترحل. هل هي ذكرى سعيدة؟ كلا ولكنها أقرب للحظة الميلاد التي لا يعود شئ بعدها كما كان قبلها وهل ندون إلا ما يفوق قدرتنا على التجاوز ربما سحر البوح يمنحنا السكينة..

كنت أسير بسيارتي بسرعتي المعتادة وأفكر وتتراءى لي صور من زحام الذاكرة ماذا سأفعل عندما أصل البيت..أطهو العشاء ..أرتب الملابس..هاتفت ابني سريعا ماذا سنأكل للعشاء.. هل كنت أعلم أنها ربما كلماتي الأخيرة له.. لو كنت أعلم ماذا كان ينبغي أن أقول.. هل أخبرته أنني أحبه بما يكفي.. هل أخبرته بحكايتي.. هل أوصيته ماذا يفعل بعد ساعة من الآن حين يسمع الخبر.. هل سيبكي ويبكي أخوته فراقي.. لا أريد حزنا لأحبتي، لا سواد في الملابس، ولا بكاء ولا وعزاء إلا فوق رأسي.. الطريق إلى البيت يستغرق نصف ساعة لا زحام مروري اليوم عطلة والمدينة تتنفس أغلقت النوافذ وأدرت التكييف لماذا فعلت ذلك؟، لماذا لم أتنفس هواء الطريق ونسمات الصيف ربما تكون أخر انفاسي من الدنيا .

أغلقت النافذة إلى جواري تلك التي سيرتطم رأسي بها بعد قليل حرمت نفسي هواء الطريق، وأغلقت الراديو لا يمكنني تحمله الطريق السريع لا ضجة فيه لا ضجة الا التي تنتظرني أنا قبل محل وصولي للبيت بسبع دقائق على الأكثر..
كان الموت هناك ينتظر سيكون حاضرا خلال دقائق بكل هيبته وإن لم يحملني معه سيترك بعضا منه هو مَلك إن حضر لا يذهب إلا أن يترك أثرا . هل قرأ صحيفتي واطلع على شريط حياتي؟ بالطبع لا فلم تكن بعد لحظتي قد حانت و مازال ستر الله يغلفني.. هاتفت صديقتي لأخبرها شيئا ظننه لحظتها هاما كانت مكالمة قصيرة هل ستذكرها؟ ستقول أن أقصى ما كان يشغلني قبل رحيلي بدقائق هو ماتحدثنا عنه كما يخبرونا عن كلمات الراحلين الأخيرة ووصاياهم، أنا أؤكد لكم أن آخر ما يتحدثون عنه ليس مقدسا ولا يحمل رسالة ولا وصية.

كنت أسير في أقصى اليمين بسرعة معتدلة، تزاحمت المهام في رأسي ولم يكن من بينها لقاء ربي الوشيك.. هل كنت على وضوء؟ لا، هل صليت العشاء ؟ لا.. هل تذكرت آخر ذنب وطلبت العفو عنه؟ لا.. الآن يفصلني عن موقع الحادث دقيقتين..دقيقة…نصف دقيقة..الآن أطل الموت برأسه هل سيحمل أحد منا معه أنا أو بعض المارة من تصادف مرورهم.. سمعت صوت ارتطام هبطت السيارة عن الطريق في ممر غير ممهد انزعجت فأردت أن أعود بسرعة للطريق الممهد لم أتمهل أدرت عجلة القيادة برعونة .هل هكذا يحدث كل شئ يؤلمنا يبدأ بخطأ صغير ثم ينفلت كل شئ. انفلت بالفعل كل شئ وانكسر محور عجل السيارة وفقدت التحكم في عجلة القيادة ومازالت العربة بسرعتها وفي ثوان معدودة انفلتت كبالون منتفخ انطلق في كل اتجاه وكأنما جنت او مسها طائف من الشيطان.

كنت في صندوق مغلق يشبه المصعد يشبه النعش يتخبط بي في كل اتجاه من اقصى اليمين دارت دورة كاملة حتى منتصف الطريق والسيارات حولي تطلق الآت التنبية وتفاديني وأنا أتمسك بالمقود لعلي أمسك بها لتستقر او تهدأ وكأن بها سعار الغضب او أن حمى الموت الوشيك أصابتها تريد أن تقذف بي لتستريح.. ألم أقل دأئما أن الحياة عبء لماذا الأن أصارع كنت في بحر هائج فتحت فمي لأستنجد قلت بغضب ليه كده؟ ثم صرخت صرخة لم يسمعها إلا ربي أدركت أني مفارقة لا محالة أنا حبيسة في بطن وحش غاضب لن يهدأ ولا شئ بيدي..سمعت نفسي أردد لاحول ولا قوة الا بالله لا اله الا الله هكذا خرجت مني سليمة معافاة لا أدري من أين أتت وكنت كثيرا ما أقلق هل سأنطقها بيسر كالمؤمنين هل تنسكب من القلب حقا في لحظة يغيب فيها العقل والتحكم في اللسان ..ارتطمت بجانبي الأيسر سيارة مارة دفعتني لاقصى اليسار فاصطدمت بالحاجز الاسمنتي علي يسار الطريق توقفت السيارة تماما وهدأت الحمى في باطنها .هل أنا حية وكيف أعرف!.. بقيت محلي مقيدة بالخوف أنفاسي مضطربة وقلبي لا أعرف له محل.. لم أتحرك..

جاءني رجل يسألني عندك اصابة ؟ قلت له وأنا أرتعد.. لا أعلم ..هل فقدت الوعي للحظات هل أشعر بالكدمات والرضوض في جسدي ..كم الساعة الآن كيف لثوان معدودات أن تصبح دهرا ..كم طال الزمن بي منذ أن فقدت السيطرة على السيارة الى الآن.. قال الرجل تحركي أنزلي .اخرجني بصعوبة من الباب الذي لم يعد يفتح..كيف نفقد السيطرة على أجسادنا والشعور بها لهذه الدرجة انتظر من الغريب أن يخبرني أنني لم أصب وأن جسدي مايزال قطعة واحدة.

قلت للرجل “عاوزة الموبيل أكلم أولادي ” أشفق الرجل الذي سينقلب عدوا بعد دقائق على وأخذ يبحث في محتويات حقيبتي المتناثرة داخل السيارة عن هاتفي وناوله لي هاتفت ابنتي أول مكالمة لي بعد الميلاد الجديد..التفت للرجل لأشكره فرأيت منه وجها آخر في ثوان تبدل.. رأيت الغضب في وجهه، نظرت خلفه كانت سيارته هي التي صدمتني سيارة ركاب يقل فيها زوجته وابنه وباب السيارة قد تضرر ، كل هذه الخسائر في سيارتي لم تشفع لي انطلق لسان الثلاثة في وجهي ولا ألومهم قالت زوجته أني مخمورة أو مجنونة فلا أحد يفعل ذلك بمنتصف الطريق طالت وقفتي بينهم وصراخهم وأنا أعلم أنه لا سند لي ولا معين لأتصل به فأخذت الرجل إلى جانب الطريق ثم قلت له بيني وبينك لحظة أنت تعرفها رأيتك والسيارة تدور بي ولا أملك مقودها فقلت إنك قاتلي لامحالة كان الموت يقف بيننا وعليه أن يختار لكنه رحل وتركنا نحن الأربعة بسلام.. صمت الرجل وقال لي اعلم فقد رأيته ونطقت الشهادة ثم زمجر في وجه زوجته ورحل بها.

متى استفقت من صدمتي مرت ساعة أو ساعات حملت غضبي لماذا يحدث معي ذلك؟ ولماذا ضاعت سيارتي؟ ولماذا خرجت من البيت يومها؟.. ثم هدأ كل شئ وعادت لحظة اللقاء بالموت صافية من الشوائب، لحظة أريدها أن تبقى في ذاكرتي اللحظة التي استسلمت فيها وأدركت أني لامحالة تاركة كل شئ كم كانت رائقة وسالمة، أخجل من صورة نقشت بعقلي عن الموت أنه يأتينا بغضب إنما يأتي للمستسلمين بالسكينة.. الحمدلله الذي أمهلني قبل أن أقول “رب ارجعون” ثم يقال لي كلا.. ليست تزكية ولكنه إمهال القدير إلى حين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى